الفصل الثالث

من مسرحية: هموم الكاتب بوعلام

للكاتب عبد الله خمّار

 

المشهد الأول

[يفتح الستار على مكتب رئيس جمعية المنارة الذهبية، فنرى طاولة المكتب والكرسيين مجللة بغطاء مذهب ويمكن استعمال نفس الأثاث المستعمل في الفصل الأول بتغطيته بالأردية الصفراء المذهبة. ونرى  الجدار وراء الطاولة مطليا باللون الأصفر الذهبي، وعليه ملصقة عريضة مرسوم عليها منارة مشعة ذهبية قاعدتها أقلام زرقاء. وقد كتبت العبارة الآتية فوق المنارة: "القلم منارة تبدد ظلمة الجهل".

يرن جرس الهاتف فتدخل السكرتيرة الشابة المحجبة أمينة وهي شابة في منتصف العشرينات متوسطة الطول نحيلة سمراء ترتدي جلبابا بنيا أنيقا وتغطي شعرها بمنديل من نفس اللون.  وترد على الهاتف بأنوثة ولكن دون ميوعة]

السكرتيرة: نعم هنا جمعية المنارة الذهبية.

.....................................................

السكرتيرة: الدكتور ناصر لم يصل بعد.

.....................................................

السكرتيرة: نعم سيحضر ونحن في انتظاره. نعم سأخبره.

[تغلق السكرتيرة الهاتف أثناء دخول السيد غانم رئيس الجمعية]

رئيس الجمعية: صباح الخير يا أمينة. ألم يصلح الهاتف في مكتبك بالأمس؟

السكرتيرة: صباح الخير. وجد عمال الهاتف أن العطل ليس في الجهاز بل في الخط داخل الجدار ولم أسمح لهم أن يحفروا الجدار قبل موافقتك.

رئيس الجمعية: سنرى ذلك فيما بعد. من كان على الهاتف؟

السكرتيرة: مديرة دار نشر التنوير تسأل عن الدكتور ناصر.

رئيس الجمعية: نعم. هو رئيس لجنة القراءة فيها. سأذهب للإشراف على إعداد القاعة. إذا جاء دعيه ينتظرني في المكتب.

[يدخل دحمان والأستاذة جويدة]

دحمان[ينظر إلى ساعته]: الساعة الآن الثامنة والنصف واجتماعنا في التاسعة.

جويدة[بلهجة خجولة]: أحببت أن أستشيرك في موضوع هام، لكنني أحس بالحرج والخجل.

دحمان: لا تتحرجي ياسيدتي، فنحن عضوان في لجنة واحدة. أنا في الخدمة.

جويدة: لدي ولد عمره خمس عشرة سنة، ولكنه يحب الأدب كثيرا وقد كتب رواية في عشرين صفحة وأردت أن أحضّر له مفاجأة وأطبع له الرواية.

دحمان: حسنا تفعلين ياسيدتي.

جويدة: قلت في نفسي: لا تستهلك هذه الرواية كثيرا من الورق والحبر، فإذا أمكن ضم التكاليف إلى العشرة آلاف نسخة التي تطبعونها من كتاب وجيه، وقد حدثته في الأمر فوافق فورا.

دحمان: كم نسخة تريدين ياسيدتي؟

جويدة: عددا قليلا يوزعها على أصحابه ويتباهى بها أمامهم.

دحمان: ما رأيك في أن نطبع له ألفي نسخة وعلى نفقة الدولة. وسنعطيه حقوق التأليف أيضا.

جويدة: هل يمكن ذلك؟

دحمان: طبعا. الدولة تعهدت بطبع ما يكتبه الأدباء المبدعون الجزائريون، وابنك أديب جزائري مبدع، فليست هناك مشكلة، وأرجو أن تطلبي منه أن يتوسع في الرواية ويزيد عدد الصفحات إلى مائة صفحة حتى تكون الرواية دسمة.

جويدة: شكرا لك. لن أنسى لك هذا المعروف.

دحمان: نحن والدولة ياسيدتي نشجع الشباب فهم المستقبل. وأنت ياسيدتي، أليس عندك كتاب للطبع؟

جويدة: لست موهوبة كولدي.

دحمان: ألم تكتبي شيئا في حياتك؟

جويدة: كتبت بعض الخواطر والأشعار وأنا في سن مبكرة وما تزال مخطوطة.

دحمان: هاتها ياسيدتي فقد أخذت الدولة على عاتقها أن تطبع كل ما خطه الجزائريون، وأنا أنصحك أن تكتبي وتكتبي وتكتبي. أغلقي الباب على نفسك واكتبي، ونحن سننشر لك بدعم من الدولة.

جويدة: شكرا، سأوصي حسام أن يتوسع في الرواية وسأكتب عملا بنصيحتك. [تنهض قائلة]: ما رأيك أن نذهب إلى قاعة الاجتماعات لنستعد للمداولات.

دحمان[ينهض قائلا]: كما تريدين.  [يخرجان].

 

المشهد الثاني

[يدخل الدكتور ناصر يحمل محفظة جلدية وهو كهل في الخمسين أسمر معتدل القامة والجسم، نشيط، ووراءه السكرتيرة]

السكرتيرة: مديرة دار التنوير سألت عنك، وقالت إن كاتبا يريد مقابلتك بصورة عاجلة وأرسلوه إليك.

دكتور ناصر: لكنني مشغول بأعمال لجنة المسابقة.

السكرتيرة: هل أعلمه حين يحضر أنك مشغول؟

دكتور ناصر: إذا جاء قبل أن تبدأ المداولات سأراه بسرعة، أما حين تبدأ المداولات فلن أسمح لأحد بالدخول إلى القاعة.[تخرج السكرتيرة ثم تدخل]

السكرتيرة: حضر الكاتب جميل الزين الذي أرسلته دار التنوير.

د. ناصر: لا بأس، أدخليه.

[ يدخل شاب في الثلاثين قصير وبدين أبيض البشرة ووجهه مليء بالندوب منفوش الشعر يرتدي سروال جينز ضيق وقميصا أصفر دون أكمام تظهر عضلاته منه ويظهر وشم ثعبان على عضده الأيمن. يلبس في يده أساور فضية ويضع في عنقه عقدا كبيرا من الفضة].

د. ناصر: أهلا وسهلا.

الكاتب[ بنغم موسيقي]: الكاتب جميل الزين.

د. ناصر[ ينظر يمنة ويسرة]: أين هو؟ لماذا لم يدخل؟

الكاتب: أنا.

د. ناصر[ ينظر إليه من فوق إلى تحت ومن تحت إلى فوق مندهشا]: جميل وزين! هل أنت متأكد؟

الكاتب: نعم، أنا جميل الزين.

 د. ناصر[موجها الكلام للجمهور بحيث لا يسمعه الكاتب]: من أسماء الأضداد. [يوجه الكلام له]: هل أبوك سماك جميل؟

الكاتب[ بلهجة ناعمة يتشبه بالفتيات]: لا. أبي سماني عبد السلام، وهو اسم كلاسيكي تقليدي لا أحبه لأنه ليس عصريا وأنا فنان أحب أن أعيش عصري.

د. ناصر[يقلده موجها الكلام للجمهور]: كلاسيكي تقليدي. على كل حال الجمال ليس جمال الشكل. [موجها الكلام له]: ما دمت كاتبا فأنت تؤمن بقيم الحق والخير والجمال، ولا بد أن كتابك يتضمن قيما جمالية.

الكاتب: طبعا، طبعا.

 د. ناصر: أرني الكتاب.[يناوله الكتاب ويرى عنوانه فيصرخ مندهشا]: ماذا؟ مذكرات سرير! سرير يكتب مذكراته!

الكاتب: نعم، هي رواية.

د. ناصر: وما موضوعها؟

الكاتب[ بنفس اللهجة]: إنها رواية جريئة خرقت فيها معظم الطابوهات. أردت أن أعري فيها المجتمع.

د. ناصر: ما الطابوهات التي خرقتها؟

الكاتب: اقرأ وأنت ترى.

د. ناصر[يتصفح الرواية ويقلب الصفحات وهو يقول كلما قلب صفحة]: ابّا بّابّابّابّابّابّابّا. أوه، إنها ساخنة جدا، تكاد تحرقني وأخاف أن تحرق الأوراق والمطبعة. واضح أنك تعري فيها المجتمع لأن الشخصيات فيها بلا ملابس. [يرميها له صائحا]: أبعدها عني أبعدها عني. هذه رواية لا توزع في المكتبات بل في الخمارات والملاهي والكباريهات.

الكاتب: إنها من روائع الأدب.

د. ناصر: تقصد قلة الأدب.

الكاتب: ستكون مربحة لكم وستوزعون منها مئات الآلاف، لأنها بعيدة عن القوالب الجامدة ولغة الخشب وفتح جديد في عالم الحداثة.

د. ناصر: لا يمكن أن تدخل هذه الرواية البيوت وتوضع في مكتبة العائلة.

الكاتب: لأنكم مجتمع منافق.

د. ناصر[ باندهاش]: لماذا؟ هل تقرأ هذه الرواية أمام زوجتك وأولادك؟

الكاتب: لست متزوجا.

د. ناصر: هل تقرؤها أمام أختك ؟

الكاتب: لماذا أقرؤها لها. أختي تعرف القراءة وقد قرأتها.

د. ناصر: ما شاء الله. وماذا تعمل أختك؟

الكاتب: راقصة كباريه.

د. ناصر[ باندهاش]: ألم يعترض أبوك على عملها؟

الكاتب: أبي صاحب الكباريه.

د. ناصر: وأمك؟

الكاتب: مغنية في الكباريه.

د. ناصر: القضية محلولة إذا. انشر روايتك في الكباريه.

الكاتب: أنا حر وأكتب ما أريد ولا أقبل أن يمارس علي أحد رقابة بوليسية مقيتة.

د. ناصر[يناوله الرواية]: نحن في دار النشر نؤمن بالحرية ولا نمارس الرقابة على الكتاب، ولكن لدينا معايير تتلاءم مع منهجنا ومشروعنا. نحن أحرار في معاييرنا كما أنت حر في الكتابة. هناك دور أخرى معاييرها مختلفة تنشر لك.

الكاتب[بلهجة حادة]: أنت أحد أسباب تخلف الجزائر.

د. ناصر[مندهشا]: أنا!

الكاتب[بحدة]: نعم، أنت وأمثالك من الكلاسيكيين التقليديين الرجعيين الجامدين المتحجرين أحد أسباب تخلف الجزائر. [ يتوقف عن انفعاله ويغير لهجته فتصبح هادئة ويتابع]: وهناك أسباب أخرى.

د. ناصر: لماذا؟

الكاتب: لأنكم أعداء الحب.

د. ناصر: روايتك ليس فيها حب وإنما جنس.

الكاتب: لا فرق بينهما. الحب هو الجنس والجنس هو الحب.

د. ناصر: لا. هناك فرق كبير؛ الحب إنساني والجنس حيواني. صحيح أن الحب والجنس يقترنان معا بالزواج. المحب يتمسك بمن يحب، فهل بطل روايتك يتزوج بمن يحبها أم  ينتقل من واحدة إلى أخرى كما يوحي بذلك عنوان الرواية؟

الكاتب: الزواج مؤسسة فاشلة تقتل الحب.

د. ناصر: هكذا إذا. وما البديل في نظرك؟

الكاتب: يجب إلغاؤها وعدم الخوف من خرق الطابوهات والمقدسات فليس هناك مقدس في عصر الحرية.

د. ناصر: ليختلط الحابل بالنابل. هل تحسب أنك رائد في خرق الطابوهات؟ سبقوك في بعض الفضائيات والأفلام والروايات. لم يتركوا لنا رمزا إلا سفهوه، ولا مقدسا إلا دنسوه، ولا محرما إلا انتهكوه بحجة الحرية والعصرنة. أفرغتم الحياة من كل معنى وجعلتموها تافهة لا تستحق أن تعاش. أفسدتم الأجيال وبددتم الآمال وبدل أن تحدثوا ثورة في العلم والتكنولوجيا، أحدثتموها في المجون والخلاعة. وبدل أن تستعملوا العقل لتخرقوا طابوهات الجهل والخرافة، استعملتم الإغواء لخرق طابوهات الأخلاق والقيم.

 الكاتب: ما زالت لغة الخشب هي الأدب في نظركم. سأنشرها في دار تؤمن بالحداثة. [يخرج غاضبا].

د. ناصر[معلقا وموجها كلامه للجمهور]: أصبحنا في عصر يوصف فيه الأدب الحقيقي بأنه لغة خشب، وتعتبر قلة الأدب والدعوة إلى الانحراف هي الأدب.

[تطفأ الأضواء]

المشهد الثالث

[تضاء الأنوار من جديد ونرى رئيس الجمعية يدخل إلى مكتبه والسكرتيرة وراءه]

رئيس الجمعية: ماذا أقول للصحفيين؟ ما زالت اللجنة مجتمعة.

السكرتيرة: لو تحدثت معهم قليلا لأنهم ملوا من الانتظار.

رئيس الجمعية: دعيهم ينتظرون قليلا فأنا أنتظر السيد نذير.

[يدخل نذير والسكرتيرة خارجة فيرحب به رئيس الجمعية]

رئيس الجمعية: أهلا بالسيد نذير. [ينهض لاستقباله ويدعوه إلى الجلوس على الكرسي]

نذير: أهلا بك [يجلس]. ما هذه الضجة التي أثارتها الصحف عن المسابقة؟ السيد مسعود منزعج جدا من هذه القضية.

رئيس الجمعية: لا أدري من هو المدعو فضيل الذي سرب الخبر إلى الصحافة، لكن هذا كان من حسن حظنا لتكون للمسابقة مصداقية أكبر، فقد اشترك فيها أكثر من ثلاثمائة كاتب من كافة أنحاء الوطن.

نذير[منزعجا]: هذا يفسد مخططنا.

رئيس الجمعية[ بلهجة مطمئنة]: بالعكس المشاركة الواسعة ستجعل الرابح مشهورا ومحسودا من الجميع، وهي دعاية كبيرة للكتاب.

نذير: لكننا لا نستطيع أن نتكهن بالفائز.

رئيس الجمعية[يضحك]: كن مطمئنا ياسيد نذير. نحن نصنع الفائز وهو كتاب الدكتور وجيه دون شك. ستنهي اللجنة عملها بعد قليل وسأبشرك بالنتيجة.

نذير: ما الذي يجعلك واثقا من النتيجة؟ أنسيت الدكتور ناصر؟ أليس هو الذي اشترط الإعلان عن المسابقة في معظم الصحف وإعطاء وقت كاف للكتـّاب لإرسال أعمالهم.

رئيس الجمعية[ بثقة]: أنا لم أنس شيئا. ولكني لا أترك شيئا للصدف. نفذنا له ما طلب، أما النتيجة فبيدنا نحن لأن نظام المسابقة يقضي بأن تجمع نقاط أعضاء اللجنة حين يختلفون على المرشح، ولدينا عضوان في اللجنة هما اللذان يقرران الفائز. طمئن السيد مسعود بأن كل شيء على ما يرام.

نذير: سأذهب فورا لحجز قاعة الموقار لاحتفال تسليم الجائزة وليكن يوم الجمعة بعد القادم في الرابعة مساء. اتفقنا.

رئيس الجمعية: اتفقنا. احجزها وأنت مطمئن.

       [ ينهض نذير للخروج ويودعه رئيس الجمعية، وتدخل السكرتيرة قلقة].

السكرتيرة: الصحفيون يلحون في مقابلتك ياسيدي.

 رئيس الجمعية: لا بأس. أدخليهم.

[يدخل الصحفيون الذين جاؤوا لتغطية حدث الإعلان عن الفائز بالجائزة إلى مكتب رئيس الجمعية ويشرعون بفتح مسجلاتهم وإعداد أقلامهم لإجراء حديث معه].

رئيس الجمعية[يخاطبهم بهدوء]: أعضاء اللجنة مجتمعون منذ الساعة التاسعة وحتى الآن لم ينته الاجتماع. ليست هناك تكهنات فلا أحد يعرف بالضبط هوية المتقدمين إلى الجائزة سوى أعضاء اللجنة.

أحد الصحفيين الشباب: ألم يتسرب خبر عن أهم المرشحين على الأقل؟

رئيس الجمعية: أبدا. أنتم ترون أنني أنتظر النتيجة معكم. ها هو أحد أعضاء اللجنة قادم.

[تدخل الأستاذة جويدة في تلك اللحظة إلى مكتب رئيس الجمعية]

جويدة: تعطلت الكهرباء في القاعة التي نعمل بها ورئيس اللجنة يطلب أن ننتقل إلى قاعة أخرى مناسبة.

       [يحيط بها الصحفيون ويلاحقونها بالأسئلة]:

إحدى الصحفيات: ألم تنتهوا بعد؟

صحفي آخر: من أكثر المرشحين حظا للفوز؟

جويدة: انتهت المداولات ونحن نجمع النقاط الآن.

رئيس الجمعية[مخاطبا جويدة]: تعالوا وأتموا عملكم في مكتبي.[ تخرج جويدة]

[مخاطبا الصحفيين]: ستعرفون النتيجة بعد قليل ولكن علينا جميعا أن نخرج من المكتب ليتم أعضاء اللجنة عملهم بهدوء. من فضلكم.

 

المشهد الرابع

[ يخرج الصحفيون وتخرج السكرتيرة والمدير ثم يدخل أعضاء اللجنة الدكتور ناصر ويجلس في مقعد رئيس الجمعية ثم الأستاذة جويدة ودحمان، ويجلسان على الكرسيين المواربين بحيث يقابلان الجمهور].

الدكتور ناصر: الملاحظة الأولى التي لفتت نظري أن كثيرا من المبدعين تقدموا إلى هذه الجائزة بعد أن مددنا المهلة ونشرنا الإعلان في كل الصحف. 

جويدة: منذ البداية أعلنا عنها في جريدة الضحى وفي اليوم التالي اتصلنا بالجريدة لنعرف كم عددا باعت، فقيل لنا إن الأعداد كلها نفدت في ذلك اليوم وتستطيع التأكد من ذلك بنفسك.

الدكتور ناصر: لنبدأ إذا. أستاذة جويدة. من حصل على أعلى نقطة عندك؟

جويدة: كتاب "كفاح عصامي" للدكتور وجيه القصاب، حصل على 10  نقاط من 10.

الدكتور ناصر: وعندك ياسيد دحمان؟

  دحمان: كتاب الدكتور وجيه القصاب " كفاح عصامي"، حصل على 10  نقاط من 10.

الدكتور ناصر: غريب مع أني وضعت له  5 نقاط من 10. أما أعلى نقطة عندي فهي لكتاب السيد بوعلام محفوظ "مختارات من حكايات الشعوب" وقد حصل على 10 نقاط من 10. وهو كتاب بديع ورائع.

جويدة: كتاب بوعلام محفوظ حصل على 6 نقاط من  10عندي.

دحمان: وأنا وضعت له 6 نقاط من  10أيضا.

الدكتور ناصر: هذان هما المرشحان الوحيدان اللذان حصلا على أكثر من 20 نقطة في المجموع. من هو الفائز بينهما إذا؟

جويدة: نقاط الدكتور وجيه هي:  10زائد 10 زائد 5 يساوي خمسا وعشرين نقطة.

دحمان: ونقاط بوعلام محفوظ هي:  6زائد 6 زائد زائد 10 يساوي اثنتين وعشرين نقطة.

الدكتور ناصر: وبناء على هذه النتيجة يكون كتاب الدكتور وجيه هو الفائز.[بلهجة تظهر فيها خيبة الأمل]: مع أني لست مقتنعا بالنتيجة، ولكن هذه هي الديموقراطية. [ يخاطب الأستاذة جويدة]: هاتي الاستمارات لنملأها ونوقع.

[تدخل السكرتيرة الشابة المحجبة تحمل مظروفا تسلمه للدكتور ناصر].

السكرتيرة: سلم لنا أخوك هذا المظروف وقال إنه عاجل جدا.

الدكتور ناصر: أخي! ليس لي إخوة. من يمزح معي هذه المزحة السخيفة؟

جويدة: لنوقع وننتهي من هذا الموضوع. [ تناول الاستمارات للدكتور ناصر].

الدكتور ناصر: انتظري قليلا. [ يفتح المظروف ويقرأ بصوت مرتفع]:

" لاحقا للمكالمة الهاتفية أرسل لكم نسخة من الكتاب الذي نقل منه الدكتور وجيه ثلاثة فصول نقلا شبه كامل مع تغيير الأسماء. وقد استعار نسخة الكتاب من المكتبة الوطنية قبل ستة أشهر ثم ادعى أنها ضاعت."

ماذا؟ [تبدو عليه الدهشة ويفتح الكتاب الموجود في المظروف ويهتف بغضب]: أين كتاب الدكتور وجيه؟ [ يمسكه ويقلبه ويقارن بينهما ويصرخ]: لص تافه. سرقة واضحة.

جويدة[ لا تفهم ما يحدث]: هاك القلم لتوقع يا سيدي.

الدكتور ناصر: أوقع على ماذا؟ على غبائي واستغفالي. هذا الدكتور المحتال سارق. انظرا [ يرمي إليهما الرسالة والكتاب].

جويدة[ تقرأ ثم تهتف مستنكرة]: مستحيل. هذا غير ممكن.

دحمان: هو موجود هنا. لماذا لا ندعوه ليدافع عن نفسه؟

الدكتور ناصر: ليحضر ويرى بعينه. [ تخرج جويدة وتناديه].

المشهد الخامس

[ يدخل وجيه إلى المكتب واثقا من نفسه ومن النتيجة فيخاطب اللجنة دون إلقاء التحية].

وجيه: هل أنهيتم المهمة؟

الدكتور ناصر[ يناوله الكتاب قائلا]: هل تعرف هذا الكتاب؟

وجيه[ متجاهلا]: لا. لا أعرفه.

الدكتور ناصر: ألم تقرأه أو تطلع عليه؟

وجيه: أبدا.

الدكتور ناصر: اقرأ قليلا بداية الفصل الأول ثم الفصل الثاني.

وجيه[ يمسك الكتاب ويقلبه ويهتف مندهشا]: غريب. إنه منقول حرفيا من كتابي.

الدكتور ناصر: هو المنقول من كتابك أم أنت الناقل؟

وجيه: أنا لا أسمح لأحد باتهامي.

الدكتور ناصر: هذا الكتاب صدر في خمسينات القرن الماضي في الهند وترجم إلى العربية في الستينات ونحن في عام 2009 فمن الذي نقل عن الآخر؟

وجيه: مجرد توارد خواطر.

الدكتور ناصر[ باستنكار]: توارد خواطر في ثلاثة فصول كاملة! حين اتهموك بسرقة أطروحة الدكتوراة من أطروحة مغربية لم أصدقهم، واليوم أكتشف صدقهم. سأحقق في موضوع رسالة الدكتوراة وسأصل إلى الحقيقة.

وجيه: من اتهموني ليسوا بأفضل مني. مَنْ يُحاسِبُ مَنْ؟ كلهم نقلوا أطروحاتهم ليحصلوا على الماجستير والدكتوراة.

الدكتور ناصر[بانفعال]: كاذب. لا تتهم الجميع. أنت وأمثالك تسيئون إلى الجامعات الجزائرية وتشوهون سمعتها، ولا بد أن يطالكم القانون كلصوص ومحتالين.

وجيه[مواجها الدكتور ناصر بغضب شديد]:الزم حدودك. أنا لا أسمح لك أبدا بإهانتي[يخرج من المكتب في حالة هياج].

[يدخل رئيس الجمعية مستفهما]

رئيس الجمعية: ماذا حدث؟ خرج الدكتور وجيه غاضبا من هنا ولم يرض أن يتكلم.

الدكتور ناصر: لا شيء. خرج مستعجلا لأنه تذكر موعدا هاما.

رئيس الجمعية: هل انتهت مداولاتكم؟

الدكتور ناصر: هي على وشك الانتهاء. نحتاج إلى عشر دقائق فقط.

[يخرج رئيس الجمعية]

الدكتور ناصر: تغيرت المعطيات الآن بعد خروج وجيه من المنافسة. لنعيد حساباتنا فالناس ينتظرون النتيجة.

[تطفأ الأضواء]

 

المشهد السادس

[تنار الأضواء من جديد في مكتب رئيس جمعية المنارة الذهبية ونراه فارغا ويسمع صوت خطاب من القاعة المجاورة. ولكن جرس الهاتف يرن دون انقطاع. تدخل السكرتيرة المحجبة وترد على الهاتف]

السكرتيرة[بصوت ناعم]: ألو. [ تغير اللهجة]: مَن؟ السيد نذير. نعم، رئيس الجمعية موجود. انتظر لحظة من فضلك.

[تخرج ثم يدخل رئيس الجمعية ليرد على الهاتف]

رئيس الجمعية[بهدوء واطمئنان]: أهلا بالسيد نذير. نعم، هاتفي المحمول مغلق. اطمئن ياسيد نذير فكل شيء على ما يرام. رئيس اللجنة يقرأ تقريره عن أعمال اللجنة في القاعة الكبرى المجاورة أمام الجمهور والصحفيين، وبعدها يعلن اسم الفائز.

السيد نذير: ....................................................................

رئيس الجمعية: لا تقلق فليس هناك أدنى شك في أن السيد وجيه قصاب هو الفائز فلدينا عضوان في اللجنة يصوتان له، وحتى لو لم يصوت الدكتور ناصر له سينجح.  [ ينقطع فجأة الصوت القادم من القاعة المجاورة] انتظر لحظة على الخط. [ يضع السماعة ويخرج من المكتب ثم يعود ويرفع السماعة من جديد]: ألو سيد نذير. سيعلن رئيس اللجنة الآن النتيجة وقد رفعت مكبر الصوت لتسمعها بنفسك. [يمسك سماعة الهاتف ويوجهها نحو الباب مبتسما]

[ يسمع صوت الدكتور ناصر من مكبر الصوت يعلن النتيجة]:

الدكتور ناصر: قررت اللجنة بالإجماع منح جائزة المنارة الذهبية لهذا العام للسيد بوعلام محفوظ عن كتابه "مختارات من حكايات الشعوب".  

[ تختفي الابتسامة من وجه رئيس الجمعية وتبدو الدهشة الممزوجة بالحزن على وجهه. يرفع سماعة الهاتف فتتهاوى من يده. يستند إلى المكتب ولكنه سرعان ما يتهاوى على أحد الكرسيين الملاصقين للمكتب غائبا عن الوعي. تدخل السكرتيرة باحثة عنه فتراه في هذه الحالة. تحاول إيقاظه فلا يستيقظ. تخرج صارخة طالبة النجدة. تدخل جويدة ودحمان وآخرون مع السكرتيرة يحملونه خارج المكتب. يسمع صوت ألو ألو من السماعة المرفوعة. تعود السكرتيرة وتعيد السماعة إلى مكانها وتخرج].

المشهد السابع

[يرن جرس الهاتف من جديد ويواصل الرن. تدخل السكرتيرة وترد]

السكرتيرة: السيد نذير. أهلا وسهلا.

السيد نذير: ....................................................................

السكرتيرة: رئيس الجمعية مغمى عليه وقد طلبنا الطبيب لإسعافه.

السيد نذير: ....................................................................

السكرتيرة: لا أدري ماذا حدث. كان يتكلم بالهاتف وفجأة سقط مغمى عليه.

السيد نذير: ....................................................................

السكرتيرة: نعم أعلنوا عن النتيجة. انتظر لحظة. قرار اللجنة في مكتبي. سأحضره حالا. [ تضع سماعة الهاتف وتخرج ثم تعود وفي يدها ورقة. ترفع السماعة وتقرأ]: الفائز هو السيد بوعلام محفوظ.  

السيد نذير: ....................................................................

السكرتيرة: نعم ياسيدي وافق العضوان ولم يحتجا. القرار تم بالإجماع ياسيدي. أنا متأكدة وقرار اللجنة يحمل توقيع الأعضاء الثلاثة.

السيد نذير: ....................................................................

السكرتيرة: ماذا تقول ياسيدي؟ خيانة مفضوحة! ألو ألو.[ تكلم نفسها]: لماذا يغلق الهاتف في وجهي؟ ماذا حصل؟ وما دخلي أنا بما حصل؟ أنا سكرتيرة يعني أمينة السر. يظنون أني لا أفهم وفي الحقيقة أنا أعرف كل شيء. أعرف لماذا أغمي على رئيس الجمعية وأعرف لماذا غضب السيد نذير واتهمه بالخيانة ولكني سكرتيرة لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم. ومع ذلك فلي قلب وعندي ضمير ولي رأي في كل ما يحدث ولو بيني وبين نفسي. أنا مسرورة جدا لما حدث وأثق ثقة كاملة بالدكتور ناصر.

[تطفأ الأضواء]

 

المشهد الثامن

[تنار الأضواء من جديد في مكتب رئيس جمعية المنارة الذهبية. يدخل السيد نذير والسكرتيرة].

السكرتيرة: تفضل ياسيدي. رئيس الجمعية بخير وسيأتي حالا.

[يجلس السيد نذير على الكرسي الأيمن الملاصق للمكتب. تخرج السكرتيرة ثم يدخل رئيس الجمعية ومعه الأستاذة جويدة]

رئيس الجمعية: أهلا وسهلا بالسيد نذير.

السيد نذير[ يصافحهما ببرود ويبتدرهما غاضبا]: لماذا فعلتم ذلك؟  من دفع لكم أكثر لتطعنوا السيد مسعود في الظهر؟

[ يجلس رئيس الجمعية وراء المكتب بينما تجلس جويدة على الكرسي الأيسر الملاصق للمكتب]

رئيس الجمعية: انتظر يا سيدي ولا تحكم علينا قبل أن تعرف ما حصل.

السيد نذير: لا شيء يمكن أن يبرر ما فعلتموه.

جويدة[ تلتفت إلى رئيس الجمعية قائلة]: ألم تخبره بما حدث؟

رئيس الجمعية: شرحت له كل شيء بالأمس على الهاتف ولكن لا بد أن يرى الدليل بنفسه.

جويدة [تفتح محفظتها وتخرج منها كتابين تسلمهما للسيد نذير قائلة]: قارن ياسيدي بين نسخة الكتاب وصورة هذا الكتاب لترى صحة ما نقول.

السيد نذير[ يتصفح الكتابين ويقول بمرارة]: فعلها وجيه الماكر. [يصمت برهة ثم يسأل]: ما الحل الآن بالنسبة إلى كتاب " كفاح عصامي"؟ ألا يمكن تعديله وطبعه؟"

جويدة: لا يمكن تعديله، ولا بد من التفكير في كتاب آخر وكاتب مضمون.

السيد نذير: من كان يظن أن وجيه محتال؟

 جويدة: على كل حال خسر المليونين ولم يربح شيئا.

رئيس الجمعية[متشجعا]: ما دام السيد مسعود هو أحد ممولي الجائزة الرئيسيين، أقترح أن يحضر يوم تسليم الجائزة وأن يسلمها للفائز أمام عدسات كاميرا الصحافة والتلفزيون. وبذلك يطلق عليه لقب راعي الأدب والأدباء.

نذير: هل نسيت أن السيد مسعود دفع لكما شيكين بمليوني دينار واحد باسمك وواحد باسم الأستاذة جويدة.

رئيس الجمعية[وقد فوجئ]: صرفناهما على أنشطة الجمعية. أليس كذلك يا جويدة؟

جويدة: طبعا طبعا، صرفناهما على أنشطة الجمعية.

السيد نذير[ ينهض من مقعده ويهتف بحزم]: لا. لن يدفع السيد مسعود سنتيما واحدا.

رئيس الجمعية[ينهض من مقعده ويصرخ بعزم وتصميم]: بل سيدفع. [ يهدئ من لهجته]:هذا ما اتفقنا عليه. ستكون فضيحة كبرى إذا لم نقم بتسليم الجائزة وننشر الكتاب.

السيد نذير: ستكون فضيحة لكم طبعا.

رئيس الجمعية: بل فضيحة لنا جميعا. لن تمر الأمور هكذا بسهولة. سنتعرض لمساءلة الصحافة، وربما يرفع علينا رابح الجائزة دعوى أمام المحكمة، وسنضطر إلى قول الحقيقة وسيسمع الناس بتفاصيل فبركة الجائزة وفضيحة الكتاب المسروق وفي هذا تشويه لسمعة السيد مسعود وليس وجيه القصاب.

السيد نذير: هل هذا تهديد وابتزاز؟

رئيس الجمعية[بمسكنة]: حاشا لله يا سيدي. أردت تذكيرك بما سيحدث. أليس من الأفضل أن يصبح السيد مسعود راعي الأدب من أن تشوه سمعته ويتهم بالتزوير لا سمح الله.

السيد نذير: كان اتفاقنا مشروطا بنجاح كتاب وجيه.

رئيس الجمعية: لو وافقتم على أن أتولى رئاسة اللجنة لما حدث ما حدث، لكن السيد مسعود اقترح الدكتور ناصر لتكون للجنة مصداقية وهذه هي النتيجة.

السيد نذير[يتمتم بحيث يسمعه الجمهور ولا يسمعه رئيس الجمعية وجويدة]: أنت حقير. هذا ابتزاز سافر.

رئيس الجمعية: [ يتمتم بحيث يسمعه الجمهور ولا يسمعه نذير وجويدة]: أنت لئيم. لا تظن أني أديب ورئيس جمعية أدبية. أنا ذئب عند اللزوم وأنيابي حادة قاطعة.

السيد نذير[يعود ويجلس على كرسيه]: سأحاول إقناعه بدفع مليون واحد فقط، مساهمة منه في قيمة الجائزة ولكن بشرط أن يسلم الجائزة للفائز بنفسه أمام كاميرات الصحافة والتلفزيون.

رئيس الجمعية[ بابتسامة مصطنعة بعد أن عاد إلى مكانه]: شكرا لك ياسيدي. أنت إنسان نبيل. وماذا عن تكاليف نشر الكتاب؟

نذير[ باستنكار وسخرية]: تريدون أن يدفع السيد مسعود تكاليف عشرة آلاف نسخة من كتاب جعلتموه ينجح في المسابقة بغبائكم. [ينهض من مكانه ويتوجه نحو باب الخروج قائلا]: عليكم وحدكم حل هذه المشكلة. ألا يكفي أننا حجزنا مسبقا قاعة الموقار ودفعنا تكاليف حفل تسليم الجائزة؟  [يخرج].

رئيس الجمعية[ للأستاذة جويدة]: اتصلي بالسيد دحمان لنبحث معه مشكلة نشر الكتاب.

جويدة: طلبت من السكرتيرة أن تتصل به حين حضر السيد نذير.

رئيس الجمعية: كان يريدنا أن ندفع المليونين اللذين حصلنا عليهما للجائزة مع أن السيد مسعود يملك الملايير.

جويدة: سبحان الله يملك الملايير ويبخل بمبلغ بسيط.

[يدخل دحمان فيستقبله رئيس الجمعية].

 

المشهد التاسع

رئيس الجمعية: أهلا بالسيد دحمان. تأخرت قليلا فالسيد نذير كان هنا وخرج قبل قليل.

[تدخل السكرتيرة]

السكرتيرة: هل يعود الدكتور ناصر. الكاتبة نادية الشاهد تريد مقابلته.

رئيس الجمعية: أدخليها فورا. [يهب لاستقبالها عند الباب]: أهلا بك سيدتي.

[ تدخل امرأة في الأربعين طويلة بيضاء، تغطي شعرها الكستنائي بشال حريري وتحمل بيدها ملفا.]

دحمان: مرحبا ياسيدتي.

رئيس الجمعية: هل من خدمة نقدمها لك ياسيدتي؟

نادية[تجلس وتناوله ملفا]: هذه مسرحية أردت عرضها على الدكتور ناصر لنشرها في دار التنوير.

رئيس الجمعية: عظيم، لكن الدكتور ناصر خرج ولن يعود اليوم. السيد دحمان مدير دار السبع للنشر وهي دار عريقة. يمكنك أن تنشري عنده ما تشائين.

نادية[تلتفت إليه قائلة]:  تشرفنا. [تأخذ الملف من رئيس الجمعية وتناوله لدحمان]: هذه مسرحية اسمها "هولوكوست في غزة". كتبتها بالفرنسية لأنها موجهة للجمهور الفرنسي ليعرف ما تفعله إسرائيل في غزة.

دحمان[يفتح الملف مرددا]: لا لا لا لا. أنت أديبة مثقفة، فلماذا تحشرين نفسك في السياسة؟

نادية: هذه ليست سياسة.هذا دفاع عن الحق وتضامن مع المظلوم.

دحمان: بصراحة، أنا لا أستطيع نشر هذا الكتاب، فلست مستعدا لأن تقاطع المكتبات الفرنسية كتبي. أعرف أنك تستطيعين نشره في أي دار أخرى ولكني أنصحك أن تفكري في العواقب.

نادية: أية عواقب؟

دحمان: ستتهمين مباشرة بمعاداة السامية.

نادية[مندهشة]: معاداة السامية! ما دخل السامية هنا؟ أنا أتحدث عن مذبحة غزة.

دحمان: هناك قوانين ياسيدتي في الكونغرس الأمريكي وفي الاتحاد الأوربي تتهم بالإرهاب كل من يعادي اليهود. أنا معك في أن اليهود هم سبب كل الشرور في العالم ولكن...

نادية[تقاطعه]: مهلا، أنا لم أقل هذا ولا أعتقد به. إدانة شعب أو دين، عنصرية لا أقبل بها. أنا لا أعادي اليهود أبدا بل أعادي الصهيونية التي اغتصبت أرض الفلسطينيين وشردتهم، وما زالت تقتلهم وتسجنهم وتدمر منازلهم. ألم تر وتسمع ما حدث في غزة وما يحدث في القدس والضفة؟

دحمان: رأيت وسمعت ولكني أنصحك أن لا تغامري بمستقبلك، إن كان لديك طموح أن تحصلي على جائزة فرنسية أو أوربية أو أمريكية في المستقبل. تأكدي أن الأوربيين لا يفرقون بين اليهود والصهيونية وإسرائيل.

نادية: ربما كان السياسيون لا يفرقون لحسابات مصلحية، ولكن الشعوب الأوربية والأمريكية هم أناس مثلنا يحسون ويشعرون ولا يقبلون بالظلم. أما الجوائز فبئست إن كان ثمنها السكوت عن الظلم.

دحمان[محاولا إقناعها]: ما رأيك أن تحولي المسرحية إلى "هولوكوست هتلر" وتتحدثي فيها عن محرقة اليهود في ألمانيا. سيكون لها صدى كبير. وستنجو من قوانين الكونغرس والاتحاد الأوربي.

نادية[باستنكار]: هل أتجاهل المحرقة الحالية التي ما زالت مستمرة وأتحدث عن الماضي؟ ثم ما دخلي بقوانين الكونغرس والاتحاد الأوربي؟ إنها لا تخيفني فمهمتي الدفاع عن المظلوم وليس الخوف ممن يدعمون الظلم. أنا متضامنة مع الشعب الفلسطيني.

دحمان[بحرارة مصطنعة]: صدقيني وأنا أيضا. دفعت مبلغا محترما من المال، وحضرت مهرجانا لنصرة فلسطين، وأنت تستطيعين أن تفعلي ذلك دون أن تتورطي بالكتابة وتتهمي بمعاداة السامية.

نادية[بحدة]: التبرع بالمال وحضور مهرجانات الدعم واجبان لنصرة القضية، ولكنهما لا يعفيان الكاتب من الواجب الأهم بالنسبة إليه وهو وضع قلمه في خدمة القضايا العادلة.

دحمان: إذا كان لديك كتاب أدبي سأنشره بكل سرور، أما كتاب غزة فأعتذر.

نادية[تسحب المخطوط منه بعصبية صارخة]: لقد نذرت قلمي للدفاع عن الحرية ونصرة المظلوم، ولابد أن يعرف الأوربيون إن عاجلا أو آجلا ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين. الآن تأكدت أن دار التنوير هي دار النشر الحقيقية.

       [تخرج الكاتبة].

رئيس الجمعية[معلقا]: الكتـّاب مع الأسف لا يعرفون مصلحتهم.

دحمان: كلهم يمدحون دار التنوير مع أنها تنشر الكتب التي لا يقرأها أحد.

رئيس الجمعية: هذا صحيح مئة بالمئة.

دحمان: قل لي، على ماذا اتفقتم مع السيد نذير؟

رئيس الجمعية: اتفقنا على أن يساهم السيد مسعود بمليون للجائزة، ويسلمها بنفسه للفائز.

دحمان: أنا أسأل عن تكاليف النشر.

رئيس الجمعية[بأسف]: لم يرض السيد مسعود أن يدفع تكاليف النشر. ما رأيك يا سيد دحمان أن تطبع هذا الكتاب على حسابك فستربح منه كثيرا؟

[يرن هاتف دحمان المحمول فينهض ويجيب]

دحمان: نعم. ماذا تقول؟ رفضت اللجنة معظم الكتب التي قدمناها. ألا تعرف أحدا في الوزارة. ماذا؟ الوزارة لا تتدخل في أعمال اللجنة. نعم، نعم، سأكلمك فيما بعد.

دحمان: اسمح لي على المقاطعة. ماذا كنت تقول؟

رئيس الجمعية: هل يمكن أن تطبع هذا الكتاب على حسابك ؟

دحمان[مندهشا]: أنا! [يضحك]: أطبع عشرة آلاف نسخة على حسابي! هذه نكتة الموسم.

رئيس الجمعية: لماذا يا سيد دحمان؟ ألست ناشرا؟

دحمان: أنا ناشر بالطبع لكني لم أتعود أن أطبع على حسابي ثم إني أنشر ولا أوزع فلست موزعا. اتفقت مع الدكتور وجيه على طبع عشرة آلاف نسخة على أن توزعوها أنتم.

رئيس الجمعية: نعم. كان كتاب وجيه عن السيد مسعود سيوزع مجانا في حملته الانتخابية، أما الآن فالموضوع اختلف.

دحمان: أريد أن أصارحكم بأني أفكر جديا في إغلاق دار النشر بعد أن واجهت عراقيل كثيرة تقف في طريقي. جئت من فرنسا متحمسا لخدمة الثقافة في بلدي، ولم أعلم أن من يعمل في الثقافة في هذا البلد يواجه كل هذه الصعوبات والعراقيل. أخبروني الآن بأن اللجنة رفضت معظم الكتب التي قدمتها للدعم.

جويدة: يكفي الفائز بالجائزة أن يأخذ المليونين، ويطبع الكتاب على حسابه إن أراد.

دحمان [ينهض مستعدا للخروج]: أنا مستعد أن أطبع له على حسابه.

رئيس الجمعية: سنرى.

دحمان[مودعا]: إلى اللقاء.

[يخرج دحمان وتطفأ الأنوار وتعزف الموسيقى]

 

المشهد العاشر

[تضاء الأنوار من جديد فنرى رئيس الجمعية واقفا وهو يمسك ورقة في يده يقرأها باهتمام. تدخل جويدة]

جويدة[تقف بجانبه وتنظر إليه بقلق]: ما الأمر؟ أرجو أن يكون خيرا.

رئيس الجمعية[بحزن ممزوج بالغضب]: ليس خيرا على الإطلاق. ثلثا أعضاء مجلس الإدارة وقعوا بيانا سحبوا فيه الثقة منا، واتهمونا بالتواطؤ مع مسعود الحلوي لتزوير نتائج المسابقة.

جويدة: هذا فظيع.

 رئيس الجمعية: كما دعوا إلى جمعية عامة لانتخاب إدارة جديدة.

جويدة[مندهشة]: لا أصدق. كيف حدث هذا؟

رئيس الجمعية[بمرارة]: اسألي أمينة السكرتيرة فهي أول الموقعات على البيان.

جويدة: أمينة!

رئيس الجمعية: نعم أمينة، أمينة السر. وأظن أنها هي التي وضعت البيان على مكتبي.

جويدة: استدعها لنعرف منها الحقيقة.

رئيس الجمعية[يجلس وراء مكتبه ويكلمها بالأنترفون]: تعالي ياأمينة.

[تجلس جويدة على الكرسي بينما تدخل السكرتيرة]

السكرتيرة: نعم ياسيدي.

رئيس الجمعية: هل صحيح بأنك وقعت على بيان الانقلاب على الشرعية؟

السكرتيرة[بجرأة]: وقعت على بيان يدعو إلى عقد جمعية عامة وهذا ليس انقلابا.

رئيس الجمعية: اسمك أمينة وأنت أمينة السر، فكيف تخونين الأمانة وتشتركين في مؤامرة ضدنا؟

السكرتيرة: انا لم أخن الأمانة بل كشفت الخيانة. أنتم خنتم ثقتنا نحن أعضاء الجمعية وثقة الكتـّاب الذين قدموا إلى المسابقة.

رئيس الجمعية: أنت كشفت أسرارا ائتمناك عليها.

السكرتيرة: هل تظن أن وظيفة السكرتيرة التستر على الاحتيال والتزوير؟ ومع ذلك أنتم أخفيتم عني تزوير المسابقة لعلمكم بأني لا يمكن أن أوافق على التزوير، ومن حسن حظكم أن الدكتور ناصر كشف اللعبة وإلا لكانت فضيحة لكم ولسمعة الجمعية.

رئيس الجمعية: ماذا تريدون بالضبط؟

السكرتيرة: لن نقبل أن يمول السيد مسعود الحلوي الجائزة بعد هذه اللعبة، وسننتخب إدارة جديدة نظيفة. بإذنكما [تخرج].

جويدة[بقلق]: ماذا نفعل الآن؟

رئيس الجمعية: خير لنا أن نستقيل قبل موعد الجمعية العامة. حاولنا أن نبني الجمعية ونرفع من شأنها ولكن كما يقول المثل: "افعل خيرا تلق شرا".

 ستار

 لقراءة الفصل التالي انقر هنا: الفصل الرابع

 لقراءة الفصل السابق انقر هنا: الفصل الثاني

للاطلاع على فصول المسرحية، انقر هنا: هموم الكاتب بوعلام

للاطلاع على المسرحيات الأخرى للكاتب انقر هنا: المسرحيّات